تقارير

حكاية طالب الثانوية العامة راوي التاريخ في أسيوط

في عُمر الصبا ولكنه يحمل عقلا أربعينيًا ناضجًا، مستقل الفكر واعٍ مستنير، لم تكن طفولته كطفولة أقرانه معبأة باللعب واللهو والا مبالاة، فكيف لطفل في المرحلة الابتدائية أن يُولَع بالتاريخ لهذه الدرجة حتى يرسم له خارطة المستقبل على إثر عشقه له

إنه طالب الثانوية العامة “يوسف محمد عباس” ابن مدينة أسيوط، الطالب بالصف الثالث الثانوي بمدرسة جمال فرغلي سلطان، ما إن تدخل لتتصفح صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” إلا وتجد نفسك في ضيافة عبق التاريخ على صفحة مكتظة بالثقافة والرقي وسط فيديوهات صنعها بيده تروي أحداثا تاريخية يفوح منها نسائم الزمن القديم والماضي المُعَد بصورة الحاضر بشكل مهني وكأنما خاض مُعِدَه سنوات تجارب عدة رغم صغر السن.

“بوابة الموطن” كانت في ضيافة الصبي المخضرم حديث العمر كبير العقل عميق الفكر، ليروي رحلته في عالم حب التاريخ ورصده وتقديمه له في مادة مشبعة ملهمة لمتابعيه من خلال فيديوهات بسيطة عميقة ومعبرة

بداية

“بحب التاريخ جدا”، هكذا بدأ يوسف حديثه وأكمل قائلا: سواء كان تاريخا سياحيا أو سياسيا والذي أعني به فترات الحكم المتعاقبة على مصر والأحداث السياسية بكل فترة حكم، فمازال الكثيرون يجهلون الكثير عن تلك الأحداث لعدم التعمق في قراءات التاريخ وأحداثه الدسمة وحقائقه، وعشقي لسرد أحداث التاريخ ليس محدود بحدود مكان أو زمان فالأمر غير مرتبط بأسيوط فقط فحلمي يتسع للحديث عن جمهورية بأكملها، ولكن لأنني في البداية فأنا محدود في أعمالي في أسيوط لعوامل متعددة منها عامل السن والوقت وظروف الدراسة ولكن حلمي أن أنطلق بأعمالي لجميع أنحاء الجمهورية.

رحلة

نبت حب التاريخ بداخل يوسف منذ الطفولة وترعرع يوم بيوم حتى أينع وأثمر في مرحلة الصبا، ويعاود الراوي حديثه قائلا: بدأت ميولي تجاه الأحداث التاريخية منذ المرحلة الابتدائية ولكن بدأت ألحظ هذا الحب بقوة وأنا في الصف الثاني الإعدادي، وكانت بداية الرحلة في فترة “كورونا” وكنت في الصف السادس الابتدائي، “ساعتها أخدنا التيرم التاني أجازة كورونا وكانت فترة الأبحاث وهذه الفترة أخدنا أغلبها في المنازل وأغلبنا كان قاعد أون لاين على النت”.

يتابع:  وفي الصف الأول الإعدادي بدأت أفكر “إن أنا إزاي أعرف أعمل فيديو أو أعمل حاجة بحبها وأحط الصورة جنبها أو أبص على حاجة تاريخية كنت بحب اتفرج عليها  إزاي أعمل زيهم وأحط الصورة تظهر جنبي وأنا بتكلم”، بمعنى فنون المونتاج وكنت وقتها طالبا بمدرسة الشهيد الرائد محمد صلاح والمدرسة كانت شعلة نشاط، وبدأ الأمر معي في الصف الثاني الإعدادي فكان الأستاذ ياسر محمود مدير المدرسة وهو شخصية رائعة مجتهدة يحب الأنشطة “كان يطلعنا رحلات لأماكن أثرية وتاريخية في أسيوط” وكنا نبدع دائما، ومن هنا كانت شرارة الانطلاق لطريقي الذي أعشقه ومُنحت مفتاح بوابة المرور للطريق الذي رسمته في مخيلتي.

الموطن

ويكمل الصبي راوي التاريخ حديثه عن بداية خطواته في عالم التصوير والمونتاج شارحا: “فترة كورونا كنا قاعدين فيها في البيت فترة طويلة كل واحد كان بيبتكر هو عايز يعمل إيه” وكان كل تركيزي على شيء واحد “إزاي بتحط صورة تظهر جنبها وإزاي تمنتج فيديو حلو”، وبدأت فعليا في تعليم نفسي بنفسي من خلال برامج عبر قنوات الانترنت مثل اليوتيوب ولكني لم أصل إلى القدر الكافي من المعلومات لأصل للمستوى الذي يرضيني وظل هدفي أمام عيني أسعى وراءه حتى وصلت للصف الثاني الإعدادي وفي حصة مادة الكمبيوتر كنا نتدرب على أحد برامج المونتاج وبعد التدريب طلب أستاذي معلم المادة منا صنع فيديوهات باستخدام هذا البرنامج فقمت بتصميم فيديو ورغم أنه كان فيديو لمبتدئين إلا أنني كنت طائرا من السعادة وأثنى عليه معلمي ومدير المدرسة وشجعوني بقوة، وتوالت بعدها الفيديوهات بالمدرسة وبدأت أتمرس، حتى جاءت مسابقة “طموح” فشاركت فيها وحصدت مركز أول إدارة وأول محافظة.

وحبي للمونتاج ليس فقط لمساعدتي في مشروعي لتقديم أحداث التاريخ ولكن لأنني أود أن استفيد منه في كل شيء، فأنا أوظف هوايتي لخدمة ما أحب فالأشياء في حقيقتها متداخلة ومترابطة.

الموطن

تكامل وحلم

تعددت مواهب “يوسف” وتنوعت أحلامه ورغم التعددية إلا أنها في حقيقتها كيان واحد يُكمل بعضه بعضا فهو عاشق وهاوٍ لعالم التصوير والمونتاج والتقديم، وحول ذلك يقول: “هي دي الحاجة اللي رابطة بيني وبين حاجة نفسي أطلعها في المستقبل لأن أنا نفسي أكون مذيع”، فالكثيرين يعتقدون أنني أريد الالتحاق بكلية آثار نظرا لحبي للتاريخ، “لكن لأ أنا حبي للمادة خلاني عايز أقدمها في هيئة إعلامية”، فلهذا حلمي هو دخول آداب قسم إعلام حتى أقدم التاريخ بتعمق لعموم الناس وليس فئات معينة في حالة كوني مرشد سياحي مثلا.

فحلمي هو الالتحاق بكلية آداب قسم إعلام وذلك حبا في الإعلام عموما وحبا في الجزء التوعوي بالإعلام، فالجزء التاريخي الذي يُقدم هو جزء من التوعية الثقافية، “والدنيا في الجامعات تكون منفتحة أكثر ولا أنكر إني شوفت كمية دعم رهيبة سواء في إعدادي أو ثانوي”، ورغم أنني أحب الصحافة والكتابة إلا أنني أعشق فكرة التقديم أي مقدم برامج “إنى أطلع واتكلم”.

صعوبة

لم يكن يوسف مجرد مقدم محتوى بل هو صاحب الفكرة ومُعدها وجامع المعلومات والمُقدم لها، وليس هذا بالأمر الهين عليه وهو مازال في سن الطفولة وهنا يُعلق: كنت أجمع معلوماتي من خلال مواقع عبر شبكة الانترنت ولم يكن لدي القدرة على تحري الدقة في المعلومة بشكل متعمق ودقيق وكان من الوارد حدوث “لخبطة” ولهذا كنت أتحدث عن أحداث بسيطة دون التعمق حتى لا أقدم معلومات مغلوطة.

وعن المواد التي تستهويه في الحديث عنها: أكثر شيء أحبه التاريخ السياسي فأحب القصص الغامضة التي تحتاج لبحث وتعمق في الوصول إلى بدايتها وحقيقتها.

الموطن

الإنتاج

يستأنف حديثه: بدأت طريقي بعمل صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” اسمها “أصل التاريخ” ولكنها أُغلقت للأسف، وكنت وقتها صغيرا حتى ملامحي طفولية بسيطة هادئة كنت في الصف الثالث الإعدادي، صممت فيديوهات أتحدث فيها عن أحداث شهيرة مثل ريا وسكينة ومجزرة دير ياسين وثورة 1952 وكذلك شخصيات مثل مالكوم إكس الذي كان أكبر رئيس عصابة في أمريكا ثم تحول لداعية إسلامي وغيرها من الأحداث، وحاليا أصنع الفيديوهات وأنشرها على صفحتي الشخصية.

اختلاف 

“ليه يوسف مقالش يالا بينا نلعب؟” وُجه هذا السؤال ليوسف فجاء رده: “أنا ماليش في الكورة وحتى في ألعاب البلاي ستايشن معرفش ألعبها إلا لو القليل منها”، وفي نفس الوقت كان لدي الحلم والطموح في مشروعي في عمل برنامج في المجال الذي أحبه حلقات تاريخية أسبوعية بمادة مفيدة وهذا الحلم الذي راودني بشدة في الصف الأول الثانوي.

المثل والدعم

يُكمل: مثلي الأعلى في عالم الإعلام الإعلامية القديرة لولا عطا فهي رمز من رموز الإعلام في أسيوط وهي قدوة لي وداعم ومساند على طول الطريق، وفي رحلتي عبر مدارس المراحل التعليمية المختلفة مدير مدرستي في المرحلة الإعدادية الأستاذ ياسر محمود غمرني بمواقف الدعم والتشجيع حتى إنه كان يعتمد عليّ في أعمال كبيرة رغم كبر المدرسة وكبر مكانتها ورغم عظمة الأحداث التي نتحدث عنها فأذكر يوم حفلة يوم الشهيد اعتمد عليّ في إعداد فيديو أتحدث فيه عن هذا اليوم العظيم وكان الحضور قيادات وقامات لها ثِقل، فكونه يمنحني كل هذه الثقة فهذا دعم لا يُقدَر بثمن وكان داعم للفكرة أيضا السيد محمود معوض مدير الإدارة التعليمية الأسبق، ولازال الدعم مستمرا لي بمدرستي الثانوية بكل قوة.

ومن أصدقائي رفيق الطفولة والصبا مينا وائل فهو صديقي من الصف الأول الابتدائي يدعمني ويشجعني ويقدم لي المساعدة كلما احتجت له “صاحب جدع”، وعلى رأس هرم الداعمين والمشجعين يأتي والدي ووالدتي فهما دائما الدعم والتشجيع وزارعا الثقة بداخلي.

الموطن

المعوقات

أما عن معوقات الطريق فيحكي: عند دخولي لتصوير أي مكان سواء تاريخي أو ثقافي يكون الأمر صعبا لأنني لا أتبع جهة محددة مسموح لها بالتعامل، فطالب مثلي تكون أول عقبة أمامه “انت تبع إيه وفين التصريح؟”، ورغم ذلك هناك تعامل بروح القانون في العديد من الأماكن فهناك من يسمعني ويقتنع بما أفعله ويساعدني طالما أنه ليس هناك ما يسبب ضرر.

رؤية

وعن اهتمامات أقرانه يروي: لكل شخص أهوائه وهواياته وشخصيته وفكره والزمن حاليا مختلف عما سبق، وليس بالضروري أن نكون نسخة من بعضنا فكل شيء أصبح مختلفا والجيل أصبح مختلفا، فهناك من يضع كل تركيزه في دراسته وآخر يحب دراسته وفي نفس الوقت هناك حلم يتمنى أن يصل له بعيدا عن الدراسة وهناك آخر غير مهتم بالدراسة “خلينا نعيش اليومين اللي عايشينهم ويسترها ربنا بكرة” فلكل حياته التي يرتاح في التعامل معها ولا يمكن إجبار شخص لفعل شيء غير مقتنع به ولا تقليل من فكر أحد وأدعو الله بالتوفيق للجميع.

الموطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى