
سوء التغذية.. مصطلح شائع يا طالما تردد على مسامعنا ورغم كونه شائعا ومألوفا على آذاننا إلا أن الكثيرين يجهلون عنه الكثير، فكم منّا يعرف أنه عدو كامن يهاجم أجسادنا وأجساد أطفالنا ويتسلل بها خِلسة في صمت رويدا رويدا إلى أن يدمرها دون هوادة، وأن المستقبل يحمل لنا الكثير من المخاطر إن أهملنا علاجه ولم نتعلم كيف نقي أنفسنا وأطفالنا الإصابة به.
الدكتورة “أماني محمود إسماعيل”، مدرس بكلية طب جامعة أسيوط أخصائي تغذية علاجية وعلاج أمراض السمنة والنحافة وسوء التغذية في الأطفال والكبار، تقدم لقرائها وقراء “الموطن” معلومات مهمة عبر حوارها عن سوء التغذية توضح خلاله المفهوم والأضرار وطرق العلاج وكيفية الوقاية.
بداية ماذا يعني مصطلح سوء التغذية؟
سوء التغذية من المصطلحات التي تعد غامضة لدى بعض الناس فتعريفه بالنسبة لهم لا يكون واضحًا، فسوء التغذية يتضمن الخلل في الطاقة التي يُدخلها الشخص للجسم سواء تناول عناصرا غذائية أقل من التي يحتاجها الجسم مما ينتج عنه نقص الوزن أو الهزال أو قصر القامة في الأطفال أو تناول عناصر أكثر من التي يحتاجها الجسم وما يرتبط بها من زيادة الوزن والسمنة, وكذلك يشمل سوء التغذية نقص المُغذيات الدقيقة من الفيتامينات والمعادن.
وما هي أسباب سوء التغذية؟
ينتج سوء التغذية عن عدة أسباب تؤدي إلى عدم الحصول على احتياجات الجسم من العناصر الغذائية مثل صعوبة البلع عند الاطفال أو وجود مشاكل بالهضم و بالامتصاص, وكذلك الإصابة بالطفيليات أو الديدان, كما تعد الأنيميا وفقدان الشهية سبب مهم لسوء التغذية, و أيضا الإصابة بأمراض مزمنة مثل أمراض التمثيل الغذائي وكذلك اضطراب الغدد ومشاكل الهرمونات والأمراض النفسية، وقد ينشأ سوء التغذية بسبب عدم المعرفة بأسس التغذية الصحيحة أو عوامل اقتصادية في الأسرة.
وما هي صور سوء التغذية؟
سوء التغذية له صور متعددة فمن الممكن أن يُصاب الشخص بهزال وهذا منتشر بصورة أكبر في الأطفال فيكون وزن الطفل غير مناسب لطوله أو وجود مشكلة النحافة عندما يكون الوزن غير مناسب للعمر أو مشكلة قصر القامة عندما يكون الطول أقل من المناسب للعمر.
أما في الكبار نجد سوء التغذية يُعبر عنه بالسمنة أو النحافة أو خلل في المُغذيات الدقيقة بمعنى أن لديه نقص حديد مثلا سبب له أنيميا أو لديه نقص في فيتامين A أو نقص اليود الذي يسبب مشكلات في الغدة الدرقية أو نقص عنصر الزنك أوالماغنسيوم.
وماذا عن أعراض ومضاعفات سوء التغذية؟
من أعراض سوء التغذية فقدان الشهية والإحساس الدائم بالتعب وعدم التركيز والصداع المتكرر, والشد العضلي و آلام العظام وتباطؤ التئام الجروح وضعف المناعة والإصابة المتكررة بالامراض المختلفة.
ويعد سوء التغذية في الأطفال من أخطر المشكلات لما ينتج عنه من النحافة والهزال وقصر القامة وصعوبات التعلم و اضطراب وظائف المخ والقدرات الذهنية وضعف المناعة عند الأطفال و سرعة التقاط العدوى. كما ازدادت معدلات الإصابة بالسمنة في الأطفال و هذا أيضا من صور سوء التغذية في الأطفال،
أما في الكبار نجد مرض السمنة مرتبط بمضاعفات ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين والسكتات الدماغية وحدوث مقاومة الأنسولين ومرض السكري من النوع الثاني وأمراض الجهاز التنفسي والكبد الدهني وتكيس المبايض وخلل الهرمونات عند النساء وغيرها من المضاعفات الخطيرة.
وما هو حائط الصد لمنع الإصابة بسوء التغذية في الأطفال؟
الحل هو تجنب الأمر من البداية، و لمنع ذلك الأمر هناك فترة اسمها فترة الألف يوم الذهبية من عُمر الطفل ودوما ما تهتم بها منظمة الصحة العالمية باعتبارها أهم فترة في حياة الطفل وتبدأ من التسعة أشهر الخاصة بفترة الحمل كجنين في بطن الأم ثم أول عامين في عُمر الطفل، وخلال الألف يوم لو تم التعامل مع التغذية بشكل صحيح من الاهتمام بالتغذية السليمة للأم أثناء فترة الحمل والرضاعة والاهتمام بحصول الطفل علي الرضاعة الطبيعية ثم نظام غذائي متوازن وصحي فإننا سنمنع بشكل كبير مشكلات سوء التغذية في الأطفال.
وما هي الفئات العمرية التي يظهر فيها سوء التغذية؟
هناك فئات عمرية معينة تكون أكثر عرضة لسوء التغذية سوء التغذية فالطفل في أول ألف يوم منذ بداية الحمل (الجنين) وطوال السنتين ما بعد الولادة يكون في حاجة كبيرة للتغذية الصحية ويكون أكثر عرضة لسوء التغذية، و كذلك الفترات التي يتسارع فيها نمو الطفل تزداد الحاجة للعناصر الغذائية المهمة للجسم, أيضا الأم أثناء الحمل أو الرضاعة معرضة جدا لسوء التغذية و الأشخاص المسنون والأشخاص المصابون بأمراض مزمنة مثل السكر والضغط أو أمراض الجهاز الهضمي.
من خلال رحلة عملك ما هي أصعب حالات عُرضت عليكِ؟
لن أقول أصعب لكن للأسف نقابل حالات مثل النحافة في الأطفال يتم التعامل معها بإعطاء كورتيزون مما يتسبب في حدوث تقزم في الأطفال و هذا أمر خطير جدا, وكذلك حالات سمنة في الأطفال يتم التعامل معهم من غير مختصين بمنع عناصر غذائية هامة في سبيل نزول الوزن وهذا للأسف له آثار سلبية خطيرة على نمو الطفل في فترة هامة من مراحل النمو في حياته.
هناك البعض يركز على إدخال عناصر غذائية للجسم ويهمل في العناصر الأخرى فماذا ستكون النتيجة؟
في حالة التركيز على عناصر وإهمال عناصر يتسبب ذلك في خلل في مدخلات الطاقة للجسم وخلل في المغذيات الدقيقة التي ذكرناها سابقا وينتج عنه مشكلات صحية كثيرة.
وما هي أكثر الفئات العمرية التي تعاني سوء التغذية وتعاملتي معها خلال عملك؟
أكثر الفئات العمرية التي تعاملت معها هم الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية ومشاكل قصر القامة والهزال واضطرابات النمو، وكذلك حالات السمنة في الاطفال. والحمد لله نبحث عن كل الأسباب المحتملة لسوء التغذية في هذه الحالات ونتعامل معها بشكل دقيق وعاجل لأن فترات النمو هي الفترات الذهبية من العمر, لذلك فإن علاج مشاكل سوء التغذية في الأطفال يحميهم من أمراض كتير يمكن أن تصيبهم لا قدر الله في فترات لاحقة من حياتهم.
هل هناك حالات يصعب علاجها؟
للأسف هناك حالات تأتي مثلا لعلاج قصر القامة لكن سن 20 أو 24 سنة وهذه مرحلة عمرية متأخرة بالنسبة لزيادة الطول “لأن بيكون خلاص العظم قفل”، لذلك من المهم جدا الاهتمام بعلاج مشاكل سوء التغذية للأطفال في سن المدارس لأنها فترات النمو المتسارع وللأسف الوقت لا بيكون في صالحنا لو تأخرنا.
ـ وكيف أحصل على نظام غذائي صحي متوازن؟
دائما نقول الغذاء المتوازن بروتين ونشويات ودهون صحية ولكن ما هو نوع البروتين الذي أعطيه للطفل وما نوع النشويات التي أعطيها للطفل؟ للأسف مع الثقافة الحديثة والانفتاح الذي نعيشه كثيرون يعتمدون على النشويات البسيطة مثل السكريات فنجد الأطفال دائما معها الشيكولاتة بماركات متعددة والعصائر والمشروبات الغازية بأنواعها, لكن التغذية السليمة تتطلب الاعتماد علي النشويات المعقدة الصحية مثل الحبوب الكاملة، الخبز البلدي، الفريك، البليلة والخضروات النشوية والفاكهة الغنية بالألياف والبقوليات, و كذلك الاهتمام بالبروتين بنوعيه الحيواني والنباتي والدهون الصحية والخضروات بأنواعها والفاكهة.
ـ البعض يرى أن المشكلة في اتباع نظام غذائي صحي هو ارتفاع التكلفة المادية فما قولك؟
الناس دائما تربط بين التغذية والتكلفة “التغذية معناها فلوس كتير”، وهذا غير صحيح فالتغذية الصحيحة هي أن نحافظ علي العناصر الغذائية المهمة للجسم لكن على العكس نجد أن الكثيرين لديهم عادات غذائية تعتمد على الوجبات السريعة والصوصات والمعجنات والسكريات في حين أننا لو حافظنا على الطعام الصحي بشكله البسيط الذي اعتدنا عليه سنجد أننا نعيش حياة صحية سليمة وهناك جملة تقول we are what we eat نحن وحياتنا وصحتنا عبارة عن صورة ممثلة لما اعتدنا أن نأكله.
ـ من المشكلات التي تقابل بعض الأمهات رفض الطفل للطعام أو تقبله لأطعمه بعينها فما سبب ذلك؟
الطفل الذي يرفض الطعام ويقبل أنواعا معينة لابد أن نعرف السبب وراء رفضه للطعام فمن الممكن أن يكون لديه فقدان شهية بشكل عام نتيجة مثلا لأنيميا أو مشكلات في الهضم أو فقدان شهية لدى الطفل الذي نُطلق عليه الطفل الانتقائي الذي يرغب في أنواع معينة من الأطعمة ويرفض الأنواع الأخرى فهذا غالبا يكون لديه مشكلة صحية أو عامل نفسي مثل الضغط علي الطفل لتناول هذا الطعام، أو من الممكن أن يكون السبب هو عادات الأسرة الغذائية الخاطئة مثل اهمال الخضروات على مائدة الطعام أو الإكثار من السكريات والأملاح بشكل مبالغ فيه في الأكل فنجد براعم التذوق عند الطفل” مش بتتقبل الأكل الطبيعي”، وطبعا لابد من التعامل طبيا مع كل هذه الأسباب.
ـ وما هي نصيحتك لقرائك؟
لأن أمراض كثيرة منتشرة حاليا سببها بالأصل مشاكل متعلقة بالتغذية فأحب أنصح القراء الأعزاء
بالاهتمام بالتغذية السليمة في كل مراحل حياتنا خاصة للأطفال لتجنب مشاكل سوء التغذية ومن أجل التمتع بصحة نفسية وعقلية وجسدية أفضل. “لازم نعرف إن رحلة التعود على عادات غذائية سليمة أقل جهدا وتكلفة من رحلة علاج مضاعفات سوء التغذية”
وماذا عن رسالة للمجتمع؟
أتمني أن يدعم المجتمع فكرة العودة للتغذية السليمة الصحية والتخلي عن العادات التغذوية الخاطئة و ترك تقليد كل ما هو *تريند* وغير صحي سواء في الأطعمة والمشروبات أو حتى في أسلوب الحياة. كما أتمني كذلك دعم مبادرات تهتم بصحة الأطفال والشباب والفئات الأكثر عرضة لسوء التغذية لتجنب التأثير السلبي على المجتمع صحيا واقتصاديا.