تقارير

“بني عدي”.. وأسطورة قرية مصرية قهرت جيش فرنسا وواجهت مدافعهم بالعصي وأغطية الحلل

يُحكى أنه في الثامن عشر من أبريل من العام 1799 كانت هناك  قرية بسيطة تُدعى بني عدي، بأقصي الصعيد، وبالتحديد بمحافظة أسيوط، شُيدت أعمدة حصونها من بأس الرجال وعزم النساء وبطولة الصبيان، لم يكن عدد سكانها يتجاوز عشرة آلاف نسمة، استطاعت قهر دولة عظمى اسمها فرنسا، وقاومت مدافع العدو بأغطية الأواني والعصي والسكاكين حتى تقهقر مرتعدًا مختبأ بالجبال ثم انسحب، وذلك تحت قيادة الشيخ أحمد الخطيب زعيم ثورة بني عدي.

إنها ليست حكاية أسطورية تُحكى قبل النوم، إنها “حكاية بنى عدى البسالة والصمود”، ما إن تصل قرية بني عدي وتلامس رمال الطريق إلا وتشعر بنسيم أرواح الشهداء يهب ويفوح من جناتهم العالية، وتسمع من الأهالي ورموز القرية وأحفاد شهداء المقاومة عبق سيرة أجدادهم العطرة حتى إنهم يجسدون لك المعركة كأنك تراها.

تاريخ قرية بني عدي

من أمام ضريخ الشيخ أحمد الخطيب قائد ثورة بني عدي بدأ سرد الحكاية بأن تاريخ بني عدي بدأ منذ الفتح الإسلامى لمصر فوفد جزء من قبيلة بنى عدى ابن النجار أخوال سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، بمعنى أن قرية بني عدي هم أحفاد سيدنا عمر بن الخطاب، وكانت القرية فى القديم تُسمى غريب وجديم وعندما جاءت قبيلة بني عدي سُميت جديم ببني عدي القبلية وسُميت غريب ببني عدي البحرية، ثم توسعت بني عدي إلى بني عدي الوسطى وبني عدي عليو، ولكن البلد بلدة واحدة هي بني عدي لا فوارق بينها كيان واحد متصل في الحسب والنسب كما هي أصالة مصري وعراقتها منذ أكثر من 7000 سنة. وهذا كان له كبير الأثر فى الدفاع عن قرية بني عدي وهي جزء عريق من مصر فكان الدفاع فى 18/4/1799 ضد الحملة الفرنسية على قرية بني عدي.

الموطن

بسالة بني عدي

قرية بأكلمها قاومت العدو وكان النصر حليفها رغم سقوط كثير من الشهداء، فما من عائلة في بني عدي إلا ومنها شهيد حتى بلغ عدد الشهداء أكثر من 3000 شهيد فى الوقت الذى كان فيه عدد سكان بني عدي 10000نسمة.

جاء الهجوم على بني عدي غيظًا من أهلها لمقاوتهم للفرنسيين وملاحقة سفنهم المارة عن طريق نهر النيل، فما كان من العدو الفرنسي إلا أن قصف القرية بالمدافع من فوق “تبة السبع بنات” ببني عدي من الناحية الغربية البحرية وذلك بعدما احتار العدو في أمر القرية وعجز عن مواجهة أهلها وجها لوجه فهربوا إلى التبة وقصفوا القرية من فوقها ورغم إحراق القرية إلا أن بني عدي استمرت فى المواجهة رغم كل هذا العدد الذي سقط من الشهداء وانتصروا للمرة الثانية فلملم العدو أذيال خيبته وفر هاربًا أمام بسالة ومقاومة أبطال القرية.

وعاد الرواة بالحديث مرة أخرى عن سبب الهجوم الضاري على بني عدي أنه جاء لأن الشباب المقاوم من بنى عدى “راح لهم النيل يشاكس مع الفرنسيين ويقاومهم”، وكانت القرية الوحيدة التى تقاومهم وتستعصى عليهم بهذه القوة، فقاموا بالهجوم على القرية وانهزموا فى الجولة الأولى واستمرت المعركة لمدة 40 يومًا متواصلة، ولم يجد الفرنسيون طريقا لمواجهة شراسة أبناء القرية إلا الحيل الخداعية فهاجموا القرية من الخلف عن طريق الجبل فصعدوا التبة وشيدوا أبراجًا وغرفًا للاحتماء بها ونصبوا مدافعهم. ورغم إحراق القرية واستشهاد ثلث أبنائها إلا أن الثلثين الذين تبقوا لم يخضعوا للهزيمة فقاموا بنصب الأكمنة فى الزراعات ونصبوا فخاً للفرنسيين وبعد استدراجهم وإيهامهم أن القرية انهزمت ترجل الفرنسيون بريًا إلى قلب القرية فباغتهم أبناء القرية بالهجوم عليهم من الزراعات بنفس أسلحتهم البسيطة وهزموهم شر هزيمة ففروا هاربين خارج القرية بلا عودة.

أسلحة مقاومة بني عدي ومدافع الفرنسيين

ومن داخل النصب التذكارى لثوار بني عدي يستكمل الرواة حديثهم: كنا نقاوم بأسلحة بدائية بسيطة وانتصرنا أمام المدافع والبارود، وسيظل التاريخ شاهدًا على بسالة أهل بنى عدي وكيف أن صمود الحق اكتسح بارود الجبناء ومدافعهم حتى فروا هاربين.

النصب التذكاري لقرية بني عدي
النصب التذكاري لقرية بني عدي

ففى الثامن عشر من أبريل 1799 جاء الفرنسيون ليحتلوا بني عدي ونهب ثرواتها وأموالها عن طريق نهر النيل، فتصدى لهم أبناء بني عدي بالأسلحة البدائية البسيطة من عصي وشوم و”غطيان حلل” وأسلحة بيضاء، ولما انهزم الفرنسيون أمام صمود وبسالة العدويين لجأوا إلى حيلة وهى “اللف” خلف بني عدي عن طريق الجبل واستوطنوا تبة عالية تسمى “تبة السبع بنات” وهى أعلى مكان خارج البلد ويكشف بني عدي بمنازلها، وكانت بيوت بني عدي وقتها بسيطة ومبنية بالطوب اللبن وعبارة عن دور واحد فقط.

فاستوطن الفرنسيون التبة ونصبوا فوقها مدافعهم وأخذوا فى ضرب بني عدي بالنيران حتى احترق معظم بني عدي واستشهد حوالى 3000 شهيد من رجال ونساء وصبيان، وخرج كل عسكرى فرنسى بعشرة آلاف دينار ذهب بعد دخول القرية ونهب ثرواتها.

يلفت انتباهك أعلى التبة مبنى بالطوب اللبن لا يظهر منه إلا قبته مزروع فى قلب التبة، حكى الأحفاد أنه مخبأ للفرنسيين صمموه للاحتماء من الأبطال العدويين.

أي أن العدو كان لا يكفيه التحصن بالجبال بل كان يخترق قلب الجبال هربًا من بسالة المحارب المصرى التى لا تُقهر.

الموطن

خطيب مقاومة بني عدي

وإلى روايات عن الشيخ أحمد حُمان، أحد شيوخ المقاومة، فلقد كان شيخًا مُلهبا لحماس بنى عدى وأطلق عليه مفجر ثورة بني عدي فلقد كان لخطابه عظيم الأثر في إشعال الحماس فى قلوب العدويين، فكان خطيب المسجد ويحث الناس على الجهاد فى سيبل الله وقتال الأعداء، وكان يقوم بدور الإعلام في هذا الوقت.

محاربات بني عدي

 حديث آخر للرواة عن  الشهيدة عز العرب حسن مخلوف إحدى شهيدات المقاومة، بأنه في بداية مقاومة بني عدي كان الرجال يبدأون بالدفاع عن القرية وكانت منازل القرية من دور أو دورين على الأكثر وكانت المبانى تُشيد على نظام محدد بطريقة قتالية فكانوا يقيمون نظاما يسمى “السِنبلة” عبارة عن “طاقة” فتحة صغيرة في الجدار المُطل على الشارع يسمح للمقيم بالمنزل أن يرى من بالخارج ولا يسمح لمن فى الخارج بأن يرى من فى الداخل، وكان البناؤون يقومون بفتح فتحات في المبنى تسمح بمرور الأسهم منها إلى خارج المنزل، لتصيب المحتل فى مقتل، ومن هنا يبدأ دور النساء حيث كن يقمن برمي السهام من أقواسها لتمر خارج الفتحة المنزلقة لتصيب المارة في الشارع مشاركة منهن للرجال فى الحرب على العدو، وكن يعتلين أسطح المنازل لرمي الأحجار عن طريق المقاليع الليفية المصنعة من ليف النخيل التي طورت فيما بعد إلى نظام المنجنيق.

وكانت الشهيدة عز العرب تقاتل بنفسها كسائر النساء إلا أنها كانت تقود جماعة مقاومة ضد المحتل لتخفف العبء عن الرجال، وعندما تفوقت القوة الفرنسية على جزء من المقاومة الشعبية عمل الجيش الفرنسى على إطلاق الرصاص على النساء قبل الرجال فأصيبت فى عدة أماكن فى جسدها فتخلت عن رضيعها وألقته بجانبها وتوفيت وكانت وقتها فى أوائل الأربعينيات، وهنا تجسدت أسمى معانى الوحدة الوطنية فجميع من بالقرية مسلمين ومسيحيين كانوا يقاومون على قلب رجل واحد يحمون ظهور بعضهم البعض، فلا مكان للطائفية فى القرية منذ قديم التاريخ وحتى اليوم، ومن احتفظ بالطفل الرضيع عبدالفتاح كانت أسرة مسيحية وأوصلوه إلى عائلته بعد انتهاء المعركة، فضربوا بذلك أروع مثال للوحدة الوطنية ونشأ من سلالة هذا الطفل علماء من أمثال الشيخ إبراهيم محمد حسن مخلوف الباحث الفقه على المذهب الحنبلى ومحمد عبدالله محمد حسن مخلوف الباحث اللغوي.

شيوخ وعلماء  بني عدي

وإلى الحديث عن الشيخ على أحمد العياط انتقلنا حيث تحدث الأحفاد أنه كان رجلًا علَّامة من علماء المسلمين وكان محفزًا لأبناء القرية للدفاع عن أرضهم وشرفهم ومقاومة العدو ببسالة وكان واحدًا من قادة المقاومة في المعركة ضد الفرنسيين والتف حوله مجموعة كبيرة من الشباب الذين اتخذوه مثلا أعلى وكانوا يتباركون به لأن نسبه كان يمتد إلى آل البيت فتكونت معه فرقة  للمقاومة.

الموطن

جين الشهادة ببني عدي

وكأن بنى عدي قد أورثت جين الشهادة لأحفادها فقدمت عائلة الشهيدة عز العرب شهيد الواجب الضابط الشهيد عصام محمد على حسن مخلوف.  

وقدمت عائلة الشيخ علي أحمد العياط شهيد الواجب الضابط أحمد عبدالحميد العياط “المقدم أحمد الدرديري” بالقوات المسلحة قائد ملحمة كمائن الرفاعي بالشيخ زويد بشمال سيناء في 1 / 7 / 2015،  وستستمر بنى عدي الحرة الأبية فى تقديم شهدائها فداء لتراب هذا الوطن العظيم.

الموطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى