يبدو أن الصراع بين بني البشر والفيروسات صراع أبدي في رحلة أشبه بحرب ضروس بين كائن يهاجم وآخر يصد ويقاتل والغلبة في النهاية للعلم واتباع سبل الوقاية، فلم يكد العالم يلتقط أنفاسه بعد سنوات مريرة التهم فيها فيروس كورونا أرواح آلاف البشر حتى عاد جدري القرود ليعلن عن ظهروه من جديد حاملا معه الفزع متسللا إلى قلوب سكان العالم وتبدأ رحلة الترقب والتساؤل تُرى ماذا يحمل لنا الغد؟
الدكتور أحمد سيد موسى، وكيل مديرية الصحة للشئون الوقائية بأسيوط، يقدم لقراء الموطن شرحا مستفيضا عن المرض وتاريخه ويبعث رسائل اطمئنان ويوضح سبل الوقاية والسلامة منه.
بداية ما هو جدري القرود؟
من مسماه فله علاقة بالقرود ولكن العائل له ليس قردة فقط فالعائل قرود وسنجاب والفئران الجامبية من جامبيا ويمكننا القول أنها حيوانات الاستوائية وليس قرود فقط
وما هي البيئة الحاضنة لهذا المرض؟
بيئة هذا المرض غير موجودة في مصر فليس لدينا قرود ولا سنجاب ولا هذا النوع من الفئران ولكن هناك دول بيئتها القرود التي تعيش معها في البيئة مثل وسط أفريقيا بأكلمه وأجزاء من غرب أفريقيا وأجزاء من جنوب أفريقيا وبعض دول آسيا مثل السعودية واليمن وعُمان وفي الدول التي على خط الاستواء التي بها مكان للقردة.
هناك مسميات متشابهة في عالم الجدري فهل لنا في نبذة عنها؟
الجدري والجديري المائي هي مجموعة من الفيروسات اسمهاorthopox viruses وهذه عائلة من الفيروسات تصيب الإنسان عن طريق الرذاذ والتلامس وأصلها يأتي من الحيوان فكان هناك عائلة اسمها الجدري وعائلة أخرى اسمها الجديري المائي وهناك أنواع كثيرة قد تكون غير موجودة حاليا وهذه تصيب الإنسان عن طريق الرذاذ والتلامس وأكثر الأعراض كان يظهر على الجلد ويؤثر عليه.
وهنا لابد من التمييز بين ثلاث كلمات الجدري والجديري المائي وجدري القرود small pox- chicken pox – monkey pox فالجدري الذي كان في الفترات الماضية أعلن العالم استئصال هذا المرض المعدي وعدم وجوده في العالم لكن هناك بعض الحالات في المدارس في فصل الشتاء خاصة يبدأ يظهر الجديري المائي وليس الجدري وذلك خلاف جدري القرود نهائيا “ده موضوع تاني خالص“
وما هو أصل الأمراض المعدية بشكل عام؟
أي مرض معدٍ يكون نوعين إما أصله يأتي من الحيوان وإما أصله يأتي من الإنسان ولا يُعدَى به الحيوان فهناك أمراض نُصاب بها نحن البشر لا تنتقل عدواها للحيوان ولكن هناك أمراض حيوانية المنشأ أصله حيوان تنتقل إلى الانسان وكقاعدة عامة أي مرض يخرج من الحيوان يُعدى به الإنسان يكون تأثيره على الإنسان أقوى من انتقاله من إنسان لإنسان.
وماذا عن تاريخ مرض جدري القرود؟
تم اكتشاف فيروس جدري القردة عام1958 في القرود بمناطق الكونغو التي كان اسمها زائير وكلمة اكتشاف المرض لا يعني أنه موجود من عام 1958 ولكنه موجود من قبل ذلك ولكن التقنيات العلمية التي ساعدتنا على اكتشاف هذا النوع من الميكروب كانت عام1958 في الحيوان وأول حالة بشرية تم الإعلان عنها أنه أصيب بمرض جردي القرود كان في سنة 1970 لطفلة تبلغ من العمر تسعة أشهر ظهر الطفح على وجهها وجسدها فبدأ التساؤل والاستغراب فلقد تم الإعلان منذ عامين في 1968 القضاء نهائيا على مرض الجدري small pox وبدأول يبحثون حول العالم هل هناك حالات إبلاغ بحالات جدري قرود وبدأو بسحب عينات من الناس التي تظهر عليها هذه البثور فاكتشفوا أن هناك ست دول على مستوى العالم متوطن فيها هذا المرض المعدي وطالما متوطن ومعدلات العدوى معتادة فهو لا يعد وباءً متوطن، “يعني عايش معاك المرض“
وفي العام 2022 سافر مواطن من بريطانيا إلى نيجيريا في 28/4/2022 وأنهى رحلة سفره في 3/5/2022 وعاد إلى بريطانيا وهناك نظام حجر صحي على مستوى عالٍ فاكتشفوا ارتفاع درجة حرارته، وما يميز جدري القرود أنه بعد ارتفاع درجة الحرارة بيوم إلى ثلاثة أيام يبدأ في الظهور فقاموا بعزله فوجدوا الطفح قد ظهر فقالوا إن هناك مجموعة من مجموعات الجدري بدأت في نيجيريا وسحبوا عينة pcr فتأكد إصابته بجدري القرود وبدأ الفحص وتأكد وجود المرض في نيجيريا فطلبت منظمة الصحة العالمية من دول العالم ضبط أنظمة الترصد لرصد حالات المرض وتحديد أماكن الإصابة وبدأت الدول بالفعل في حالات الإبلاغ وبدلا من تواجد المرض في ست دول وصلوا أكثر من ستين دولة وهذا يسمى انتشارا ومنهم أكثر من 900 حالة في آخر شهر وهذا معدل ارتفاع عالٍ للعدوى فأعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ العالمية لانتشار جدري القرود
ما هي العوامل المهيئة لتواجده وكيف ينتقل؟
لابد من توفر بيئة يتواجد فيها القرود وأن يتعامل الشخص مع القرود أو سنجاب أو فئران جامبية تتعامل معها من سوائل الجسم الدم والبراز وخلافه، فلابد من التعامل ونحن في مصر ليس لدينا هذه البيئة والتعامل لا يعني فقط تربيتها ولكن أكل لحوم هذه الحيوانات غير مطهية فبعض الدول وجبات القرود فيها من الوجبات مرتفعة السعر، وفي مصر لا نربي ولا نأكل هذه الحيوانات ولكن الخوف يكمن أنها تنتقل من حيوان لإنسان ثم من إنسان لإنسان.
ونقله من إنسان لإنسان عن طريق الرذاذ والتلامس والاختلاق الوثيق، وبالنسبة للرذاذ والتلامس فهو مثل الانفلونزا والسحائي وجميع أنواع الجدري فهو ينتقل بالعطس أو ملامسة جلد شخص مصاب وجلدك غير سليم وينتقل أيضا عن طريق الاتصال الجنسي وأكثر إصابات الاتصال الجنسي في المثليين. كما ينتقل المرض من الأم للجنين في بعض الحالات عن طريق الحمل والولادة وتم رصد بعض الحالات فعليا من طرق الانتقال.
هل استطاع جدري القرود التسلل إلى مصر؟
“مصر مفيهاش ولا حالة” فمصر خالية تماما من جدري القرود وأسيوط طبعا بالتبعية لا يوجد بها أي حالات فلقد تم تفعيل نظام حجر صحي في مطار أسيوط وتم تفعيل فرق التنصت في جميع المنشآت الحكومية التابعة لنا.
وماذا عن دول الجوار وأين يكمن الخطر؟
هناك حالات ظهرت في إسرائيل وهي الدولة الوحيدة المصابة في دول الجوار ، والخوف هنا يكمن في أن العالم قرية صغيرة هناك مطارات ورحلات لدول موبوءة والعودة.
كيف تبدو أعراض جدري القرود وفيم يتميز عن غيره من الفيروسات؟
أول الأعراض100% من الحالات يظهر عليها طفح جلدي وهذا الطفح متعدد الأشكال منه papules ,macular, pustules” وقشريات وبثور ملئية صديد ولها أشكال كثيرة مع ارتفاع درجة الحرارة في 90% من الحالات إلى جانب صداع، ولكن صداع جدرى القرود يتميز عن جميع أنواع الأمراض المعدية في أن الصداع يأتي خلف مقلة العين “يقولك حاسس عيني هتفرقع“، ولكنه لا يصيب أي جزء في الرأس، وهناك شيئ آخر يميز جدري القرود وهو تضخم الغدد الليمفاوية “كور في الرقبة وكور تحت الإبط ” بالإضافة إلى تكسير في الجسم ووهن عام والأعراض الشائعة مثل الإنفلونزا العادية، مدته من 5 أيام إلى 21 يوم.
وكيف نواجه ويلات هذا الخطر المحيط؟
يقظة الحجر الصحي لجميع الدخول عبر المنافذ البرية أوالبحرية أو الجوية ورفع أنظمة الترصد بداخل المنشآت الصحية للدولة، ولقد تم تدريب جميع الفرق الطبية وبعد التدريب يسهل رصد الحالات المشتبه بإصابتها، هذا بالنسبة لدور الصحة أما الوقاية فهي دور المواطن فيجب عليه عدم التعامل مع القرود أو السنجاب وفي حالة ظهور حالات نبدأ في الابتعاد عن الرزاز والتلامس تماما مثل طرق الوقاية في كورونا من عدم العطس في أي مكان والعطس في اليد فلابد من منديل أو في الكم إن لم يوجد منديل، والاهتمام بنظافة اليد ليس فقط للوقاية من جدري القرود ولكن هذا سلوك عام في الحياة لابد من اتباعه باستمرار، وكذلك تطهير الأسطح لأن العطس على الأسطح يساعد على التلامس الجلدي في حالة لمس مكان العطس.
هل لجدري القرود علاج نهائي؟
جدري القرود عبارة عن فيروس والفيروس يتحور فيتغير شكله مما يعني أنه ليس له علاج وحتى الآن ليس له تطعيم.
وكيف يتم علاج الحالات المصابة إذا؟
يأتي العلاج على حسب العرض فارتفاع درجة الحرارة يُعالج بخافض حرارة وتضخم الغدد الليمفاوية بعلاج التضخم وهكذا
هل يؤدي جدري القرود إلى الوفاة؟
جدري القرود يوجد منه سلالاتان سلالة وسط أفريقيا وسلالة غرب أفريقيا بالنسبة لسلالة وسط أفريقيا معدلات الإماتة فيها 10% من الحالات وسلالة غرب أفريقيا معدل الوفاة فيها 1% من الحالات كل مائة حالة تموت حالة، وأكثر السلالات المنشرة حاليا وسط الحالات هي سلالة وسط أفريقيا وسبب الوفاة مثل سبب أي مرض معدي فيروسي وبائي في أنه يُحدث تسمم دم أو يرفع درجة الحرارة أو يسبب تضخم في الغدد الليمفاوية مما يؤدي إلى الوفاة.
أغلب الأمراض تترك أثارا صحية حتى وإن رحلت فماذا عن جدري القرود؟
أخطر مشكلات جدري القرود تكمن أنه بعد شفاء الإنسان منه تظل العلامات التي ظهرت في الوجه باقية وتسبب تشوها، وللأسف الشعب لا يجيد التعامل مع المرضى وخاصة في حالة تشوهات الوجه وتظهر هنا مشكلة التنمر، فالمشكلة ليست في الوفاة ولكن في أنه يترك أثرا يشوه به الوجه.
وما هي رسالتك لجموع الشعب؟
من الآن نريد أن نكون شعبا متحضر صحيا وأن نعرف طرق الوقاية من هذا المرض حتى لا ينتشر في حالة ظهوره لا قدر الله.