تقارير

الشهيد عقيد أ.ح أحمد دردير ابن أسيوط بطل معركة كمائن الرفاعي بطل من سلالة أبطال

جده الأكبر هو الشيخ أحمد العياط، أحد زعماء ثورة بني عدي، بطلٌ من أبطال ملحمة مقاومة شعبية قهرت جيوش الفرنسيين.

مرت السنوات وتوارث الحفيد أحمد دردير جينات البطولة من جده القائد وبزغ على يديه فجر بطولة جديدة في ملحمة بطولية كان هو قائدها على أرض سيناء.

إنه البطل العقيد أركان حرب الشهيد أحمد عبدالحميد دردير العياط، قائد كمائن الرفاعي بالشيخ زويد، والذي نال الشهادة فجر الأربعاء الموافق  1/7/2015 بعد أن سطر هو ومجموعة من أبطالنا البواسل  ملحمة بطولية ضد الجماعات الإرهابية، وأبى أن يرحل قبل أن يلقنهم هو ومجموعته درسا لن ينسوه  آخذين بثأرهم قبل استشهادهم.

يسرد “الموطن”  سيرة الشهيد العطرة وتاريخه البطولي عبر التقرير التالي:

الموطن

الميلاد

وُلد البطل الشهيد في 14/6/1979 في قرية توماس وعافية (3) في إسنا بالأقصر، حيث انتقل والده للعيش هناك في صباه نظرا لظروف عمله وأنجب جميع أبنائه بإسنا.

صفات

الشهيد البطل أحمد دردير هو الإبن الرابع ما بين ستة أبناء ثلاثة أولاد وثلاث بنات، ولكنه كان مختلفا له صفاته الخاصة وطباعه المميزة، كان بطلا في كل شيئ ولا يستعصى عليه شيئا، كان طيبا إلى أبعد الحدود ونفسه متواضعة متسامح وهادئ الطباع.

كان دائم الذكر لله منذ طفولته ومداوما على فروضه  ومن سن 12 عام كان يخرج لصلاة الفجر حاضر في المسجد، وكانت والدته تقول له “أخاف عليك يا ولدي من الخروج ليلا فيرد قائلا “متخافيش عليا أنا طالع لله في حفظ الله”.

الموطن

الدراسة

على مدار مراحل دراسته لم يأخذ درسا واحدا فلقد اجتازها بمجهوده، يُكِن له معلموه كل الاحترام ويشجعونه باستمرار، وعلى مدار حياته  يشهد له الجميع بحسن الخلق والطباع.

لا تذكر عائلته أنه أتعبهم في تربيته يوما فما رأوا منه إلا كل حنان ورحمة واحترام لهم وطاعة وروح صافية.

الشباب

كان شابا متزنا وكلما كَبُر كلما زادت روعة صفاته، وفي المرحلة الثانوية كل تركيزه كان مذاكرته، ورغم صعوبة الثانوية العامة وقتها حصل على مجموع 79% وكان ذلك يُعد مجموعا كبيرا بالنسبة لذلك الوقت.

الحلم والقدوة

حلم واحد كان يراوده منذ طفولته وهو دخول الكلية الحربية، فحينما كان هو وإخوته صغارا كانت والدته تحكى لهم كثيرا عن الزعيم جمال عبدالناصر وعن الضباط الأحرار فتعلق أولادها به، أما البطل الشهيد فكان تعلقه من نوع خاص فقال لوالدته”يوم من الأيام هبقى زيهم إن شاء الله”، وكان عاشقا لأبطال أكتوبر.

الموطن

الحربية

تقدم لاختبارات الكلية الحربية دون أي وساطة، ولأن بنيانه كان قويا كان يؤهله للكلية الجوية، ولكنه بعدما أنهى كل اختبارات الجوية بامتياز رفض استكمال مسيرته بها وصمم على استكمال رحلته بالحربية وبالأخص سلاح المشاه.

الموطن

الزواج

في سن السابعة والعشرين تزوج البطل الشهيد من ابنة خالته وأنجب “عُمر”، وكلما قالت له والدته “واحد بس يا أحمد؟ يا ابني خلف تاني”، يرد قائلا: “كفاية واحد يا أمي عشان الشيلة متبقاش تقيلة وتتعبكم”.

الموطن

الأجازات

أجازات الجيش كان يقضيها في بيت العائلة في إسنا ويتجمع كل إخوته بأولادهم وبخاصة أول يوم رمضان “لازم الكل يكون موجود، كان بيبقى فرحان وسطهم زى ما يكون عيل من عيالهم”، فكان يُلاعب أطفال إخوته ويحملهم على كتفيه من كبيرهم حتى صغيرهم ويحمل إليهم الهدايا وكانت عبارة عن ألعاب معدات حربية.

الهوايات

منذ الطفولة وهو عاشق للعب كرة القدم حتى إن من حوله لقبوه بـ “طارق يحيى” لأنه كان يشبهه في صغره واستمر عشقه للعبته المفضلة وكان يلعبها مع أبناء إخوته.

الجنود

لم يكن بروحه أي تكبر في تعامله مع أي شخص ولا يتفاخر على من حوله بكونه ضابطا، وكان يُعامل جنوده كإخوته ومسئولين منه، حتى إنه كان أحيانا يتبادل خدمة الحراسة ليلا معهم ويطلب من الجندي أن يستريح. وكان يرفض تماما أن يجعل مجندا يخدمه في أي شيئ خاص به، وفى حياته ما سبّ أحدا لا بداخل عمله ولا في أي مكان، وكان يأخذ كل شيئ بالرفق واللين، ومن درّس لهم في الكلية الحربية يقولون إنه كان أستاذا بمعنى الكلمة، وبعد استشهاده سُمى أكثر من مكان بإسمه تخليدا لذكراه، فلقد كان له في كل مكان بصمة.

الوداع

 آخر أجازة له كانت قبل نصف شعبان ولم يحضر مع أهله ولا يوم من أيام رمضان وعند رحيله من المنزل قالت له والدته “متتأخرش عليا يا أحمد” فرد قائلا: “يا أمي ادعيلى بالشهادة”، فقالت له “سلامتك يا أحمد متوجعش قلبى عليك يا ابني”، فقال لها “يا أمي تكرهيلى آخدك معايا الجنة؟”.

الموطن

الاستشهاد

قبيل فجر يوم الاستشهاد حدث والدته هاتفيا وقال “انتي نمتى يا أمي”، فقالت له لا أنا أصلى الفجر، ثم سألته لماذا تدق الهاتف في هذا الوقت يا ابني فأنت لم تعتد على الحديث فيه؟ فقال “عشان أصحيكى تصلى الفجر، ادعيلى يا أمي”.

سيناء

أخفى البطل الشهيد أحمد دردير عن أهله عمله في سيناء، وفى الساعة الثانية صباحا صباح استشهاده حدث كل إخوته، وحوالي الساعة العاشرة صباحا جاء إليهم خبر استشهاده، كانت والدته وقتها تصلى صلاة الضحى وكان قد اتصل صديق له بوالده وأخبره بالخبر وسمعت والده يقول الخبر وفور سماعها أصيبت بذهول وسقطت مغشيا عليها وفور إفاقتها لم تنطق إلا بجملة “إنا لله وإنا إليه راجعون” ثم قالت: “احتسبتك عند الله يا ابنى، الحمد لله الشهادة كان بيتمناها وطالها، عاش طول عمره بطل والضربة جاته غدرة كبيرة، في الجنة ونعيمها إن شاء الله يا حبيبي”.

كان ضحكتنا

“كان ضحكتنا ولمتنا، هو كان العيد بتاعنا”، هكذا وصفت إلهام أخت الشهيد أخيها البطل، وأكملت حديثها: أحمد كان عبارة عن نسمة في البيت كل شيئ فيه هادئ وجميل، نتجمع دوما طالما هو موجود وأي يوم هو موجود فيه كان بالنسبة لنا عيدا، وكان يمكث معنا يومين نعتبرهم يومين من الجنة “سبحان الله هو ابن موت، كان حاجة متتوصفش”.

الموطن

 وقبل استشهاده بشهر كنت أؤدى مناسك العمرة فقال لي “لما تكونى واقفة عند الكعبة ادعيلى أنول الشهادة”، ولكنى كنت أضحك وأقول له “ماشى، بس مفكرتش لحظة إنه تحصله حاجة”.

صمتت وتحدث بدلا من صوتها دمعها، وقالت: كما كنا نتجمع حوله في حياته فنحن اليوم نتجمع حوله  “بس عند قبره”، فهو يجمعنا سواء حيا أو شهيدا في السماء.

تتابع: أحمد يصغرنى بعشر سنوات وربيته مع أمي، لم يكن طفلا مشاغبا ولا لحوحا وأي شيئ كان يرضيه وليس له طلبات. ثم مسحت دموع عينيها ورفعت رأسها وقالت: “أنا فخورة جدا بأن أكون أخت الشهيد”.

الموطن

السر

أما إيمان أخت الشهيد فهي أول من أخبرها أنه بالشيخ زويد وحول ذلك تقول: قبل استشهاد أخي بشهرين حدثنى هاتفيا وقال لي: “عايزك تجيبى ورقة وتكتبى العنوان ده ومتعرّفيش حد بيه إلا لو لقيتوا الاتصال بيا انقطع لفترة”، وبعدها بفترة أخبر والدي بأنه في سيناء.

بعينيها نظرة حنين جارف لأخيها تذهب بعيدا إلى حيث كانت تجمعهم أماكن الذكريات لتُكمل: كنا نقضى العيد في صغرنا في بني عدي ولكن بعدما كبرنا صرنا نقضيه في إسنا إلى أن توفى ابن عم والدي وأتينا للقرية في آخر عيد أضحى قبل استشهاده فقال “ليه منعيدش فى بني عدي؟ على فكرة العيد في بني عدي جميل”.

الرجولة

  أما والده رحمه الله فجاء في رواياته عنه: كان يتسم بالرجولة منذ طفولته وذلك وراثة من جده الأكبر أحمد العياط وهذا امتداد للبطولة، بدأ دراسته من مدرسة توماس (3) الابتدائية ثم  معاذ بن جبل الإعدادية ثم ثانوية إسنا ثم التحق بالحربية، وفي فترة أجازته كان يعطى دروسا في المسجد للطلبة بسطاء الحال وكان دائم الجود بكل ما معه، ولقد كان بارا بكل عائلته.

الموطن

 

رحلة عمل

تخرج من الكلية الحربية ثم التحق بقوات حفظ السلام بالسودان لمدة سنة وبعدها ذهب لتدريب القوات السعودية ثلاثة أشهر وأرادوا انتدابه هناك ولكنه رفض ترك بلده وعاد إلى الكلية الحربية وظل يُدرّس بها أربع سنوات وحصل على أركان حرب وبعدها التحق بالفرقة 18 وفى الكتيبة 136 وكان في الإسماعيلية والتحق بالمخابرات الحربية.

أخفى عن أهله عمله بالشيخ زويد، وبنى بها ثلاثة أكمنة  اسمهم “زلازل الدرديرى” واسمهم زلزال ورعد وسيدي أبو الحجاج نظرا لسيدي أبو الحجاج في الأقصر لأنه كان يداوم على زيارته.

الاستشهاد

وصباح استشهاده حدث والده الساعة 2.30 صباحا فأقلقه اتصاله بهذا الوقت وقال له “في إيه؟” فقال بسأل عليكم”، فقال له: هو إحنا مش هنتقابل فى العيد؟” فقال له “لأ.. انت طريقك غير طريقي”.

ثم قال “أنا عايز منكم طلب، تدعولى بالشهادة” فأصاب والده الذهول، وفى التاسعة صباحا جاء إلى أهله خبر الاستشهاد

المعركة

وكان من بين حكايات والد الشهيد عن المعركة قوله: حينما عرف أحمد أن الهجوم مكثف من الإرهابيين أعطى أوامره للقوة أن تنسحب وتذهب لموقع آخر وتبقى هو وعسكري اسمه إسلام رفض أن يتركه وهناك عسكري آخر اسمه محمد قال له لن أتركك، فدّمر البطل سيارتين مفخختين وأربع سيارات دفع رباعي، وبعدها بدأ يستخدم السلاح الآلي وكان حاصلا على بطولة جمهورية رماية وظل يقاوم هو ومن معه حتى أصيب في قدمه اليمنى وقدمه اليسرى وطلقة في رقبته.

الموطن

الوصية

وصل أحمد المستشفى حيا وأوصى زميل له “لو مت ادفنونى في مدافن الفقراء ولابد أن يحفظ عمر القرآن وتأخذوا بالكم من زوجتي وابني”.  ودفن الأب الشامخ الصامد ابنه الشهيد بين أهله في بني عدي، وكانت جنازته مهيبة وبسبب الزحام لم يستطع أهله دفنه إلا الثانية عشر صباحا.

كان حاسس

كأنك ترى أحمد الدردير فى صباه كما وصفه الأهل نفس الملامح الراضية والنفس الطيبة، إنه “عُمر” ابن البطل الشهيد، والذي بدأ الحديث قائلا:  “بابا كان بيجيبلى كل حاجة نفسي فيها كان بيفرحنى لأنه كان حاسس”، وكان دائما يلعب معي وبخاصة لعبة المصارعة، “كل حاجة في بابا حلوة”.

الخبر

هذا الوجه الملائكي الأبيض المُشبع بالحُمرة يُخبئ ذكريات والده في كل ركن فيه، ويتابع حديثه: كنت نائما وكانت أمي تتابع الأخبار وفجأة سمعتهم يقولون “الدردير” ففزعت وبعدها علمت أن الضرب في سيناء فقالت “لا هو فى الإسماعيلية مش سينا”، ولكنها علمت من أصدقاء أبى خبر الاستشهاد.

وعن إحساسه وقت تلقى الخبر قال في ذهول وتعجب: “إحساسى!!! وقتها مكانش عندي إحساس كنت قاعد كده”.

وعن ماذا كان والده يحكى له قال: “هو كان طول الوقت في الشغل”، وبسؤاله ماذا تقول لوالدك؟ قال: “أنا فخور بيه ونفسي أطلع زيه”.

الموطن

 

صديق الميدان

ومن ميدان المعركة يتحدث صوت الرائد البطل كريم بدر قائد قوات الدعم والذي أصيب بالمعركة ليقول: العقيد أحمد كان المسؤول عن الكمائن فهو أقدم رتبه والقائد لكل ضباط الكمائن الموجودة في المنطقة التي حدثت فيها المعركة وسُميت بعملية ” تكمين الكمين ” و “معركة الرفاعي”.

وكان البطل عضو هيئة التدريس في الكلية الحربية و قام بالإشراف على تدريب وتجهيز الضباط في كل المجالات، أما أخلاقه فالجميع يشهد بها في التعامل مع الكبير والصغير في نفس الوقت وحب كل الناس له، فكل كلمات الثناء لا توفيه حقه ولا توضح قدر عظمة أخلاقه.

الموطن

السحور الأخير

يتابع البطل حديثه: البطل الشهيد تناول معي السحور قبل استشهاده وكان يقول “أنا حاسس إن في حل قريب وهيكون يوم قريب نحقق فيهم خسائر كبيرة لهم”،  ثم صلى الفجر ولم يأته نوم بعدها فتحرك مباشرة إلى منطقة العمليات، “وده كان آخر سحور مع الأبطال”

القرار

يستأنف البطل المقاتل حديثه: يكفينا أني أخبرته أن كل الكمائن جاهزة للقتال و لكنه أحس بشيئ ما وذهب للتأكد بنفسه وعندما وصل لأخر كمين وجد جيشًا من المرتزقة والعربات المصفحة، فاتخذ قرارًا صعبًا لا يتخذه إلا بطل فدائي واثق من نفسه وقدراته وقدرات مجموعته ، فكانت أوامره للكمين الأخير بالتحرك والضم على الكمين قبل الأخير لزيادة القوة وإخبار الجميع بقوة العدو، وبقي هو ومجموعة صغيرة من الجنود بسلاح خفيف والذخيرة واشتبك مع العدو وأسقط منهم الكثير حتى وصلوا للكمين واستُشهد الأبطال.

الموطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى